فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {والذي جاء بالصدق} الآية.
وفي الذي جاء بالصدق أربعة أقاويل:
أحدها: أنه جبريل، قاله السدي.
الثاني: محمد صلى الله عليه وسلم، قاله قتادة ومجاهد.
الثالث: أنهم المؤمنون جاءوا بالصدق يوم القيامة، حكاه النقاش.
الرابع: أنهم الأنبياء، قاله الربيع وكان يقرأ: {والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به}.
وفي الصدق قولان:
أحدهما: أنه لا إله إلا الله، قاله ابن عباس.
الثاني: القرآن، قاله مجاهد وقتادة.
ويحتمل ثالثًا: أنه البعث والجزاء.
وفي الذي صدق به خمسة أقاويل:
أحدها: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس.
الثاني: المؤمنون من هذه الأمة، قاله الضحاك.
الثالث: أتباع الأنبياء كلهم، قاله الربيع.
الرابع: أنه أبو بكر، رضي الله عنه حكاه الطبري عن علي رضي الله عنه، وذكره النقاش عن عون بن عبد الله.
الخامس: أنه علي كرم الله وجهه، حكاه ليث عن مجاهد.
ويحتمل سادسًا: أنهم المؤمنون قبل فرض الجهاد من غير رغبة في غنم ولا رهبة من سيف.
{أولئك هم المتقون} إنما جاز الجمع في {هم المتقون} و{الذي} واحد في مخرج لفظه وجمع في معناه على طريق الجنس كقوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر} قوله عز وجل: {ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عَمِلوا} قبل الإيمان والتوبة، ووجه آخر: أسوأ الذي عملوا من الصغائر لأنهم يتقون الكبائر.
{ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} أي يجزيهم بأجر أحسن الأعمال وهي الجنة.
قوله عز وجل: {أليس الله بكافٍ عبده} في قراءة بعضهم، يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم يكفيه الله المشركين، وقرأ الباقون {عباده} وهم الأنبياء.
{ويخوفونك بالذين من دونه} فيه وجهان:
أحدهما: أنهم كانوا يخوفونه بأوثانهم يقولون تفعل بك وتفعل، قاله الكلبي، والسدي.
الثاني: يخوفونه من أنفسهم بالوعيد والتهديد.
قوله عز وجل: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: على ناحيتكم، قاله الضحاك ومجاهد.
الثاني: على تمكنكم، قاله ابن عيسى.
الثالث: على شرككم، قاله يحيى.
{إني عامل} على ما أنا عليه من الهدى.
{فسوف تعلمون} وهذا وعيد.
قوله عز وجل: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الله عند توفي الأنفس يقبض أرواحها من أجسادها والتي لم تمت وهي في منامها يقبضها عن التصرف مع بقاء أرواحها في أجسادها.
{فيمسك التي قضى عليها الموت} أنى تعود الأرواح إلى أجسادها.
{ويرسلُ الأخرى} وهي النائمة فيطلقها باليقظة للتصرف إلى أجل موتها، قاله ابن عيسى.
الثاني: ما حكاه ابن جريج عن ابن عباس أن لكل جسد نفسًا وروحًا فيتوفى الله الأنفس في منامها بقبض أنفسها دون أرواحها حتى تتقلب بها وتتنفس، فيمسك التي قضى عليها الموت أن تعود النفس إلى جسدها ويقبض الموت روحها، ويرسل الأخرى وهي نفس النائم إلى جسدها حتىتجتمع مع روحها إلى أجل موتها.
الثالث: قاله سعيد بن جبير إن الله تعالى يقبض أرواح الموتى إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت فلا يعيدها ويرسل الأخرى فيعيدها. قال علي رضي الله عنه: فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين وتخيل إليها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة.
قوله عز وجل: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوبُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: انقبضت، قاله المبرد.
الثاني: نفرت.
الثالث: استكبرت.
قوله عز وجل: {قل اللهم فاطر السموات والأرض} أي خالقهما.
{عالمَ الغيب والشهادة} يحتمل وجهين:
أحدهما: السر والعلانية.
الثاني: الدنيا والآخرة.
{أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون} من الهدى والضلالة.
ويحتمل ثانيًا: من التحاكم إليه في الحقوق والمظالم.
قال ابن جبير: إني لأعرف موضع آية ما قرأها أحدٌ فسأل الله شيئًا إلا أعطاه، قوله: {قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون}.
قوله عز وجل: {فإذا مسّ الإنسان ضرٌّ دعانا} قيل إنها نزلت في أبي حذيفة. ابن المعيرة.
{ثم إذا خوّلناه نعمة منا قال إنما أوتيتُه على عِلمٍ} فيه خسمة أوجه:
أحدها: على علم برضاه عني، قاله ابن عيسى.
الثاني: بعلمي، قاله مجاهد.
الثالث: بعلم علمني الله إياه، قاله الحسن.
الرابع: علمت أني سوف أصيبه: حكاه النقاش.
الخامس: على خبر عندي، قاله قتادة.
{بل هي فتنة} فيه وجهان:
أحدهما: النعمة لأنه يمتحن بها.
الثاني: المقالة التي اعتقدها لأنه يعاقب عليها.
{ولكن أكثرهم لا يعلمون} البلوى من النعمى. اهـ.

.قال الثعلبي:

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله} فزعم أن له ولدًا وشريكًا {وَكَذَّبَ بالصدق} بالقرآن {إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى} منزل ومقام {لِّلْكَافِرِينَ والذي جَاءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ}.
قال السدي: {والذي جاء بالصدق} يعني جبرائيل جاء بالقرآن {وصدّق به} محمّد تلقاه بالقبول.
وقال ابن عبّاس: {والذي جاء بالصدق} يعني رسول الله جاء بلا إله إلاّ الله {وصدّق به} هو أيضًا رسول الله بلّغه إلى الخلق.
وقال علي بن أبي طالب وأبو العالية والكلبي: {والذي جاء بالصدق} يعني رسول الله {وصدق به} أبو بكر.
وقال قتادة ومقاتل: {والذي جاء بالصدق} رسول الله {وصدّق به} هم المؤمنون وإستدلا بقوله: {أولئك هُمُ المتقون}.
وقال عطاء: {والذي جاء الصدق} الانبياء عليهم السلام {وصدق به} الاتباع وحينئذ يكون {الذي} بمعنى الذين على طريق الجنس كقوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَارًا} [البقرة: 17] ثم قال: {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] وقوله: {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الذين آمَنُواْ} [العصر: 2- 3].
ودليل هذا التأويل ما أخبرنا ابن فنجويه حدثنا طلحة بن محمّد بن جعفر وعبيد الله بن أحمد بن يعقوب قالا: حدثنا أبو بكر عن مجاهد حدثنا عبدان بن محمّد المروزي حدثنا عمار بن الحسن حدثنا عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع: أنّه كان يقرأ {وَالَّذِينَ جَاءُو} يعني الانبياء عليهم السلام {وصدقوا به} الاتباع.
وقال الحسن: هو المؤمن صدّق به في الدُّنيا وجاء به يوم القيامة.
يدل عليه ما اخبرنا ابن فنجويه حدثنا أبو علي بن حبش المقريء اخبرنا يعني الظهراني اخبرنا يحيى بن الفضل الخرقي حدثنا وهيب بن عمرو أخبرنا هارون النحوي عن محمّد بن حجارة عن أبي صالح الكوفي وهو أبو صالح السمان أنه قرأ {والذي جَاءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ} مخففة، قال: هو المؤمن جاء به صادقًا فصدّق به.
وقال مجاهد: هم أهل القرآن يجيؤون به يوم القيامة يقولون هذا الذي اعطيتمونا فعملنا بما فيه.
{أولئك هُمُ المتقون لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ المحسنين لِيُكَفِّرَ الله عَنْهُمْ أَسْوَأَ الذي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ}.
قرأ أبو جعفر ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وخلف: {عباده} بالجمع.
وقرأ الباقون: {عبده} يعنون محمدًا صلى الله عليه وسلم {وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ} وذلك أنهم خوّفوا النبيّ صلى الله عليه وسلم معرة الأوثان وقالوا: إنك تعيب آلهتنا وتذكرها بسوء، فوالله لتكفّ عن ذكرها أو لنخلينك أو يصيبك بسوء {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ ذِي انتقام وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرٍّ} شدة وبلاء {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} نعمة ورخاء {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ}.
قرأ شيبة وأبو عمرو ويعقوب: بالتنوين فيهما، واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم.
وقرأ الباقون: بالإضافة.
قال مقاتل: فسالهم النبي عليه السلام فسكتوا فأنزل الله سبحانه {قُلْ حَسْبِيَ الله عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المتوكلون قُلْ ياقوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} إذا جاءكم بأس الله تعالى من المحق منّا ومن المبطل.
{مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب لِلنَّاسِ بالحق فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} بحفيظ ورقيب، وقيل: موكّل عليهم في حملهم على الإيمان.
{الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مَوْتِهَا} فيقبضها عند فناء أجلها وانقضاء مدتها {والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} كما يتوفى التي ماتت، فجعل النوم موتًا {فَيُمْسِكُ التي قضى عَلَيْهَا الموت} عنده.
قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وخلف: {قُضِيَ} بضم القاف وكسر الضاد وفتح الياء {الموت} رفع على مذهب مالم يُسم فاعله.
وقرأ الباقون بفتحها، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، قالا: لقوله {الله يتوفى الأنفس حين موتها} فهو يقضي عليها.
قال المفسرون: إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتعارف ماشاء الله تعالى منها، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى أجسادها، أمسك الله تعالى أرواح الأموات عنده وحبسها، وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها.
{إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} وقت إنقضاء مدة حياتها {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
أخبرنا عبد الله بن حامد الاصبهاني أخبرنا محمّد بن جعفر المطري حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا ابن فضل حدثنا عطاء عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مَوْتِهَا} قال: يقبض أنفس الأموات والأحياء، فيمسك أنفس الأموات ويرسل أنفس الأحياء إلى أجل مسمّى لا يغلط.
وقال ابن عبّاس: في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس التي بها العقل والتمييز، والروح التي بها النفس والتحرك، فإذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه.
أخبرنا الحسين بن محمّد الثقفي حدثنا الفضل بن الفضل الكندي حدثنا إبراهيم بن سعد بن معدان حدثنا ابن كاسب حدثنا عبد الله بن رجاء عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فليضطجع على شقه الأيمن وليقل: بأسمك ربّي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين».